16/01/2018 - 12:15

وقفة | إعلامُنا وجريمة جنين

كشفت جريمة الطعن في جنين، ليل أمسٍ، الإثنين، في ما كشفت، عن أزمة حقيقيّة لدى إعلامنا العربيّ في الداخل تتعلّق بكيفيّة تناوله الأخبار العاجلة الشحيحة مصادُر معلوماتها والتي تدور، عادةً، في فلكِ شريط فيديو مسجّل وروايات متضاربة لشهود عيان

وقفة | إعلامُنا وجريمة جنين

كشفت جريمة الطعن في جنين، ليل أمسٍ، الإثنين، في ما كشفت، عن أزمة حقيقيّة لدى إعلامنا العربيّ في الداخل تتعلّق بكيفيّة تناوله الأخبار العاجلة الشحيحة مصادُر معلوماتها والتي تدور، عادةً، في فلكِ شريط فيديو مسجّل وروايات متضاربة لشهود عيان، ليسوا سوى طالباتٍ منفعلاتٍ.

بدايةً، تعجّلت وسائل الإعلام (ومعها الصفحات المجهولة الإدارة في "فيسبوك") بنقل خبر مقتل الشابّة، وحسمت "موقفها" فورًا (!) أننا أمام جريمة طعن على خلفية "شرف العائلة"، وهو مصطلح خطير لا بدّ من التطرّق له، وشرح حيثياته، وكيف أن استخدامه هو تكريس لرواية القاتل، لكن هذا ليس موضوعنا الآن.

ورغم النفيّ الرسمي للوفاة من قبل الجامعة والمشافي، إلّا أن المواقع العربيّة ظلّت تصرّ، لمروحة من الزمن لا تقل عن 45 دقيقة، أن الفتاة قد قتلت، مستندةً إلى روايات أشخاص نقلًا عن زميلاتها (شهود على انفعال الشهود!) بأن الصبية قد "ذُبحت مثلما يُذبَح الخروف"، وأنها فارقت الحياة.

علمًا بأن العمل الصحافي يقتضي العكس، إذ أنه حتى لو كانت الصبية متوفاة، جدلًا، وحتى لو كان شهود العيان أطبّاء (لا طالبات)، فلا يُمكن إعلان الوفاة إلا بإقرار رسمي من قبل المشفى أو الشرطة؛ بينما بالأمس حدث العكس تمامًا، إذ أصرّ العاملون في مهنة الصحافة على وفاة الشابة، حتى بعد صدور عدّة بلاغات من الجهات ذات الصّلة!

كما أن نقطةً خطيرة أخرى برزت، في مراحل مبكّرة جدًا من انكشاف أمر جريمة الطعن، إذ تناقلت المواقع على الفور صورَها (ماذا لو لم تكُن هي؟)، عبر "تنبيشٍ" لحساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي، في اختراق سافرٍ لخصوصيّتها، بهدف السبق الصحافي، طبعًا، وحول ذلك تفيد الأخبار طبعًا بأن عائلة الضحيّة (أعمامها وأخوالها) عرفت بالجريمة من وسائل الإعلام، التي انكشفت فيها صور الفتاة، كالنار في الهشيم.

أما في الصفحات الإخباريّة وحسابات الناشطين على موقع "فيسبوك" (الأكثر استخداما في الداخل) فكانت المصيبة الكبرى، إذ تناقل "الناشطون" روايات مشتقة من عقولهم همّ ومن رسائل صوتيّة تناقلها مسعورو الرّيتينغ ومحبّو المصائب، هي، في معظمها، غير صحيحة، وحتى وإن كانت، فهي تكريس لتنميط آخر وبحث في تصرفات الفتاة التي قادت إلى الجريمة لا في إجرام القاتل!

أما الجانب الآخر في التغطية، "الإيجابي"، فإن الفيديو المنشور من الحادثة لا نقطة دم واحدة فيه، ورغم ذلك فقد أثار من الغضب والحنق أكثر مما قد يصيبه أي فيديو تبدو فيه أي ضحيّة مضرّجة بدمائها؛ وهذه رسالة إلى الصحافيين الذين ظلّوا ساعاتٍ يتّصلون (بكل وقاحة) بطالباتٍ في الجامعة الأميركية من أجل الحصول على صورٍ للفتاة وهي "مذبوحة" أو فيديو لها وهي تتعرّض للطعن!

والرّسالة هنا هي أن الجريمة نفسها بشعة جدًا، وتثير الغضب، دونما حاجة للحصول لملء الصفحات بأي صور فيها دماء، كما يسارع صحافيونا عادةً، وكأن الجريمة التي لا دماء فيها لا تستحق أن تُغطّى.

التعليقات